الجهاز المركزى للتنظيم و الاداره
الإصلاح الإدارى.. مهمة عاجلة

المصدر: - جريدة الأهرام

التاريخ: - 21-12-2015

مع انعقاد البرلمان الجديد، هناك قضايا أولى بالرعاية، وتشريعات عديدة تحتاج سرعة إصدارها,ولأن المواطن هو هم هذا البرلمان، ومهمته الأولى، فإن معظم التشريعات التى تتعلق بالصحة والتعليم والاقتصاد، والأمن والاستقرار، يجب أن تأخذ طريقها للتنفيذ بأقصى سرعة ممكنة.

 "الأهرام" من جانبها تطرح عددا من هذه التشريعات لتضعها تحت عين البرلمان، ربما يكون من المفيد الرجوع إليها عند طرح هذه القوانين للنقاش. بينما يستعد مجلس النواب الجديد لمباشرة مهامه، تتعلق الآمال بطموحات تشريعية سواء لتعديل القوانين القديمة، أو إصدار قوانين جديدة مكملة للدستور، ومن ثم تقع على عاتق البرلمان الجديد مهمة إصلاح الجهاز الإداري، وتطويره، وتيسير الخدمات المقدمة للمواطنين..

فطوال سنوات ، ظل الروتين، والبيروقراطية، والفساد الإداري، وغياب الشفافية، وتردى حالة الخدمات المقدمة للمواطنين ، تشكل ملامح الجهاز الإدارى للدولة، وهو موروث سنوات طويلة من الترهل والروتين، والفساد، وتردى الخدمات.

الإصلاح الإدارى ليس مستحيلا.. فهناك خطط واستراتيجيات سواء كانت قديمة أو حديثة، لكنها لم تفلح فى علاج الداء بشكل جذري، وإن كانت قد حلت جزءا من مشاكل الإدارة، لكنها لم تتمكن حتى الآن من التوسع فى تطبيق اللامركزية، ومواجهة الترهل الإداري، وسوء حالة الخدمات المقدمة للمواطنين، ولا إدارة مرافق الدولة وأصولها بشكل سليم بما يؤدى إلى تعظيم العائد منها ..

ولأن تشخيص التحديات والمشكلات، يعد أولى خطوات العلاج الناجع، فإن تحديات الوضع الراهن وفقا للعرض الذى قدمه الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى فى سبتمبر من العام الماضى - تتمثل فى تعقد الهيكل التنظيمى للدولة، من حيث كثرة الوزارات والمصالح والهيئات والوحدات المحلية، والتى تشمل 295 وحدة، و2449 كيانا إداريا، تعانى تضارب الصلاحيات والمسئوليات وعدم الاستقرار التنظيمي، وزيادة الأعباء المالية على الموازنة العامة، وتضخم العمالة وارتفاع تكلفتها، وانخفاض انتاجيتها، وغياب الشفافية، والمساءلة، وانتشار الفساد، وكثرة التشريعات، وتعديلاتها، وتضاربها، والمركزية الشديدة، وسوء حالة الخدمات العامة، وضعف إدارة الأصول المملوكة للدولة، وترهل الجهاز الإدارى للدولة، وسوء توزيع العمالة ( 6٫36 مليون موظف)، وارتفاع تكلفة العمالة فى القطاع الحكومي( 207 مليارات جنيه، تمثل 26% من مصروفات الموازنة العامة عام 2014-2015) بخلاف أجور الهيئات الاقتصادية، وانخفاض انتاجية الموظف الحكومي، والنتيجة بطالة مقنعة، وانتاجية متدنية، وضغط أكبر على الموازنة العامة، ودرجات عالية من عدم الرضا الشعبى عن أجهزة الإدارة العامة.

يعانى الجهاز الإدارى أيضا مشكلات عديدة، منها غياب معايير واضحة لتقديم الخدمات العامة للمواطنين، والتوظف الحكومي، وسوء استغلال الوظيفة العامة وانتشار الفساد والواسطة والمحسوبية، وكثرة التشريعات ، وتضاربها، وتقادمها، وضعف الالتزام بالأطر القانونية المنظمة للجهاز الإدارى للدولة، وغياب الشفافية فى القواعد المنظمة للأعمال الحكومية، والنتيجة تغول البيروقراطية، وانتشار ظاهرة التحايل والالتفاف على القانون، فقد تم تعديل القانون رقم 47 لسنة 1978 نحو 17 مرة، فيما تتمثل التشريعات السارية حتى الآن فى الدستور، و12702 قانون و11949 قرارا حكوميا، و2353 قرارا صادرا عن مجلس الوزراء، و23342 قرارا وزاريا، و3750 قرارا للمحافظين، و489 أمرا عسكريا بإجمالى يقدر بنحو 54585 قانونا وقرارا إداريا.


مشكلات تبحث عن علاج وترصد الدراسة أن المركزية الشديدة، وسوء حالة الخدمات العامة، وضعف قدرة المؤسسات والقيادات المحلية، وسوء حالة الخدمات العامة، وغيرها أدت إلى مركزية القرار والتمويل، وتحمل المواطن أعباء تحسين الخدمة ، كما أدى سوء إدارة المرافق العامة، والأصول المملوكة للدولة ، إلى إهدار المال العام، وسوء الخدمات العامة، ومزيد من الضغط على الموازنة العامة، وتحمل الدولة أعباء التنمية بمفردها. مبادرة إبداع والآن، دعونا نعد إلى الوراء قليلا، فقد كان يوم 15 سبتمبر الماضى ، آخرموعد للمشاركة فى مبادرة إبداع التى أعلنتها وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، بهدف تشجيع العاملين على ابتكار وتنفيذ حلول للمشكلات والمعوقات الإدارية، التى تواجه الجهاز الإدارى وتطوير العمل به، واكتشاف وتحفيز الكفاءات من العاملين فى القطاع الحكومى خاصة المستويات الوسطى فى الهيكل الإداري، وتبادل الخبرات، وعرض التجارب المختلفة للاستفادة منها فى تطوير منظومات وإجراءات العمل فى الجهاز الإداري، وكذلك ربط الابتكارات بخطط الدولة التنموية ورؤيتها لإصلاح الجهاز الإداري.

وقد تضمنت مجالات المسابقة ، جميع الأفكار أو المقترحات لتحسين دورات العمل فى الجهاز الإدارى للدولة، والتى تحقق تقليل زمن تنفيذ المهمة أو تقديم الخدمة للمواطنين والعملاء، وزيادة الإنتاجية (تنفيذ عدد مهام أكبر فى فترة زمنية أقل)، وتحسين مستوى الخدمة المقدمة للعملاء، وتحقيق رضا المواطنين والعملاء من طريقة تقديم الخدمة، وتخفيف العبء على الموظفين العاملين بالجهة مع رفع الكفاءة، وقد استقبلت مبادرة إبداع 583 فكرة، وصلت إلى 417 فكرة بعد استبعاد غير المستوفين للشروط من المتقدمين. وبشكل عام، فإن مسابقة إبداع كما يقول الدكتورأحمد درويش وزير التنمية الإدارية الأسبق تمثل فكرة جيدة..

ويمكن أن تنتج عنها فكرة أو اثنتان أو أكثر تكون قابلة للتطبيق العملي، لكن بشكل عام، هناك العديد من المتطلبات للإصلاح الإدارى على مستوى إدارة الدولة، وتتضمن إعادة تعريف دور الحكومة، من خلال الفصل فى المهام بين: واضع السياسة والإستراتيجية ) الحكومة المركزية( أو المنفذ ) المحليات، والتركيز على الدور الرقابى والتنظيمي، وفتح المجال لمشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى التنفيذ، مؤكدا التجارب الناجحة للدول الأخري، كما تحتم التعقيدات الاقتصادية العالمية ان تتفرغ الحكومات المركزية الى مهمتين أساسيتين هما: التخطيط الاستراتيجى (وضع السياسات العامة ) بالمشاركة مع البرلمان والمجتمع المدني، وأن التوجه البديل للدور التنفيذى المتغلغل ، سيكون بتفعيل اللامركزية والتنفيذ بواسطة الغير،

وكذلك تفعيل مشاركة وتعظيم دور المجتمع المدنى فى تقديم الخدمات، والمشاركة فى الإدارة والرقابة، وتفعيل دور المحليات، و التوجه نحو اللامركزية ، وسرعة تبادل البيانات والمدفوعات بين الجهات، ونظام مطور لمتابعة المشروعات، وتبسيط دورات العمل لرفع كفاءة تنفيذ المعاملات، ويجب المضى قدما فى تنفيذ برنامج طموح لقياس عدد الخطوات اللازمة لكل معاملة والزمن اللازم لتنفيذها ، ومقارنة ذلك بالمعدلات العالمية، وإتاحة الخدمات من قنوات جديدة، بهدف ضمان توصيل الخدمة لمن يطلبها فى مكان وجودده بالشكل والاسلوب الذى يناسبه بالسرعة وفى التوقيت السليم،

ومن أمثلة ذلك الانترنت والتليفون الثابت والمحمول ومركز تقديم الخدمة وغيرها، والالتزام بتطبيق المزيد من آليات تحقيق النزاهة- على سبيل المثال: الفصل بين طالب الخدمة ) المواطن المستثمر( ومقدم الخدمة )الموظف ( بما يغلق باب المدفوعات غير المبررة ) والرشوة( ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة استخدام القنوات غيرالتقليدية مثل بوابة الحكومة المصرية على الانترنت، وتفعيل موقع المشتريات الحكومية على الانترنت، وكذلك تفعيل موقع التوظف الحكومى على الانترنت.


وينبغى أن تتضمن خطوات الإصلاح ، نشرنظم إدارة علاقات المواطنين، لتلقى الشكاوى والمقترحات) سواء كان التسليم باليد ، أو بالبريد العادى أوالإلكترونى أو الفاكس أو التليفون ( وتصنيفها والرد عليها، وخلق مسار لمراجعة الشكاوى حتى لا يصبح ذات الموظف هوالخصم والحكم، ومساندة آليات العدالة الناجزة من خلال تطوير وميكنة منظومة التقاضى وتداول الدعاوي، واستكمال وربط قواعد البيانات القومية، وربط قاعدة بيانات الرقم القومى بالجهات المختلفة ) الصحة والتأمينات والمعاشات وغيرها، وبناء قاعدة بيانات الأسرة المصرية من أجل منظومة أكثر انضباطا لتوصيل الدعم والخدمات للأسر،

وكذلك بناء قواعد البيانات ذات المردود الاقتصادى مثل قاعدة بيانات المنشآت الاقتصادية والسجل العينى للعقارات المبنية. تنمية الموارد البشرية وعلى مستوى الوظيفة، ينبغى التحول الى آليات نظام إدارة الموارد البشرية، بدلا من نظام شئون العاملين ، وإيجاد مفهوم الإدارة المستقبلية للموارد البشرية ، وتطوير طرق قياس وتقويم الأداء، وآليات التحفيز، والتركيز على إيجاد جيل من القيادات يحقق التغيير المطلوب، والتقسيم القطاعى للوظائف ، بما يسمح بتعدد آليات التوظف والترقى بما يناسب كل مجموعة، و تطوير المنظومة التشريعية للوظيفة العامة، لتحقيق مجموعة من المبادئ المهمة على رأسها: تعديل دور الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ، ليصبح المنظم والمراقب للوظيفة العامة ومنح المزيد من الصلاحيات واللامركزية للجهات، وتطوير طرق شغل الوظائف، من خلال إدخال نماذج جديدة للوظائف ) والعمل بعض الوقت ، والعمل بالإنتاج، وتطوير طرق الالتحاق بالوظيفة مثل إجراء امتحان للوظيفة العامة، وتأكيد شفافية وجدارة الالتحاق بالوظيفة من خلال الإعلان عن جميع الوظائف وإجراء مفاضلة بين المتقدمين، ووضع آليات أيسر للدخول والخروج من الوظائف بما يسمح بالاستعانة ببعض الخبرات لفترات محددة وحل بعض المشكلات الحالية مثل الاجازات وغيرها ، وتحقيق الرضاء المالى والنفسى للموظف من خلال هيكل جديد للأجور وسلم جديد للوظائف، وخدمات للموظفين، و مراجعة نظم المساءلة والمحاسبة لتحقيق الانضباط بالجهاز الإداري. الخدمات العلاجية نموذجًا

وقد حصلت " تحقيقات الأهرام" على نسخة من إحدى الدراسات المهمة المقدمة لمبادرة " إبداع" التى نظمتها وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، للنهوض بالخدمة الصحية " بعنوان الارتقاء بصحة المواطنين من خلال تفعيل النظام العمودى " الرأسي" لخدمات وزارة الصحة ، وأعدها الدكتور حسام عبد الرحمن شحاتة مدير عام الإدارة العامة للباثولوجيا الإكلينيكية بالمعامل المركزية لوزارة الصحة، والتى يشير فيها إلى ضرورة اتباع التوجه الرأسى للخدمة العلاجية، بمعنى أن يكون لكل تخصص قيادة محددة فى مكان محدد وتكون مسئولة فنيا واداريا عن كل العاملين فى ذات التخصص، ولا يمنع ذلك من التنسيق مع الإدارة الأعلى ومزايا ذلك النظام ارتباط فريق كبير على مستوى الجمهورية بعضهم ببعض ، بغض النظر عن موقفه الافقى فى تأمين صحى أو تعليمى أو مستشفى عام ، و بغض النظرأيضا عن موقفه الافقى فى الخريطة ( كفر الشيخ أو اسيوط أوغيرهما ...)،


وكذلك توزيع الأدوار بشكل أفضل ، حيث تتولى القيادة تحديد الأولويات ، وتنسيق دور كل فرد ( فمثلا الاستشارى الخبير لا يبقى فى مكان واحد بل يمكن ان ينتقل او تجتمع له الحالات المعقدة فى مكان واحد)، ويمكن تنظيم اجتماع شهرى لأفراد الفريق، إما فى مكان واحد او عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ( شاشات فيديو ) ، وسوف يبث ذلك روح النشاط والامل والرغبة فى تبادل الأفكار و الإبداعات، كما أن القيادة الموحدة تستطيع إعداد تصور عن (متى وكيف) تقدم الخدمة لكل مواطن فعلى سبيل المثال بعض الخدمات لا تستدعى حضور المريض للمستشفى بل يمكن أن يكفى تقديم المشورة تليفونيا أو برسالة مسجلة أو بوسائل التواصل الالكترونى أو توجيه المريض للمكان المناسب فى مستشفيات وزارة الصحة أو خارجها (وهذا مجرد مثال) ولا يمكن تقديم الخدمات بهذه الجودة إلا من خلال قيادة موحدة والتى هى بمنزلة الرأس من الجسد.

ولا يحتاج تفعيل النظام الادارى الرأسى فى الخدمات العلاجية بوزارة الصحة إلى إنشاء أبنية ، ولا تكلفة مالية كبيرة، حيث تتوافر لدى مستشفيات وزارة الصحة قوى بشرية ، إدارية، وفنية كثيرة، لكنها تحتاج الى إعادة ترتيب وتنظيم ادارى صحيح يعظم الفائدة من هذه القوى البشرية بما يعود بالخدمة المثالية للمواطن، وهناك نموذج رأسى ناجح فى وزارة الصحة، فقد حققت الإدارة المركزية للمعامل بعض النجاح على المستوى الرأسى ، نظرا لتواصلها المستمر مع المعامل المشتركة ومعامل المستشفيات والادارات الأخرى ،


حيث تمكنت من تطبيق نظام الجودة على 200 معمل من معامل المستشفيات بوزارة الصحة ، وكذلك اشتراك الادارة العامة للباثولوجيا الإكلينيكية مع إدارات أخرى لتطبيق نظام رأسى وهو الكشف المبكر عن الأمراض فى حديثى الولادة ، حيث تم التنسيق مع الإدارة العامة لذوى الاحتياجات الخاصة والتأمين الصحى لأخذ عينات من كل مواليد مصر وتحليل العينات واكتشاف المصابين مبكرا وعلاجهم عن طريق التأمين الصحي، وهذا النظام الرأسى يتواصل يوميا (رأسيا) مع الإدارات المعنية على مستوى الجمهورية لتحقيق الهدف، فضلا عن تواصل الإدارة العامة للباثولوجيا الإكلينيكية مع معامل المستشفيات وقد أثمر ذلك التواصل الرأسى عن نقل جهاز كيمياء آلى بقيمة 400 ألف جنيه من محافظة القليوبية إلى مستشفى القاهرة الجديدة،


حيث لم تكن الحاجة ضرورية لوجوده فى المكان الأول وتم تعظيم الاستفادة منه فى المكان الآخر، وعلى نفس المنوال تم نقل جهاز ثمنه 750 ألف جنيه من محافظة جنوب سيناء إلى مستشفى بورسعيد العام، كذلك تم نقل ميكروسكوب تعليمى من الادارة العامة للباثولوجيا الاكلينيكية للمركز التدريبى بدمنهور، وقد أثمر التواصل الرأسى تحقيق تلك الأهداف ، والتى لم تكن لتتحقق فى ظل النظام الأفقي. تعديل القوانين.. مطلب عاجل ** والسؤال الذى يطرح نفسه: هل تمثل التشريعات الإدارية الحالية عقبة فى طريق الإصلاح الإدارى للجهاز الحكومي؟ - الإجابة تأتى على لسان الدكتور صلاح الدين فوزى أستاذ ورئيس قسم القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة المنصورة، وعضو اللحنة العليا للإصلاح التشريعي،

حيث يؤكد أن القوانين الإدارية تمثل حجر عثرة أو عقبة إجرائية أمام تبسيط الإجراءات، ومن ثم تحول دون التطوير الإداري، ففى قانون المناقصات والمزايدات- على سبيل المثال - ، هناك إجراءات يستغرق تطبيقها 6 شهور، فيما تبينت بعد ذلك أكذوبة الأمر المباشر، لأن هناك قرارات صادرة من مجلس الوزراء تحول دون ذلك، أو على الأقل تحد من سلطات المحافظين، ورؤساء الجامعات ، والهيئات فى هذا المجال، فكثير من الإجراءات الإدارية لابد أن يعودوا فيها للوزير المختص، بدءا من تركيب خط تليفون ، وحتى قبول التبرعات، فلابد من موافقة الوزير، كذلك الحال فى إبرام عقود الأمر المباشر.

وتلك التعقيدات الإجرائية والإدارية - والكلام مازال للدكتور صلاح الدين فوزي- تقودنا للحديث عن الأمر الأهم ، وهو كيفية إدارة مرافق الدولة، فالكثير من اللوائح والقرارات الصادرة من مجلس الوزراء تتعارض مع القانون، وتنسف اللامركزية من جذورها، ومن ثم لابد من تحديث البنية التشريعية واللوائح الإدارية، وينبغى أن تكتفى القوانين بوضع قواعد عامة، ولابد من إشاعة مناخ حسن الظن، وقبل هذا وذاك لابد أن يشعر الموظف العام بالعدالة والمساواة، ما يستلزم القضاء على التفاوت فى رواتب الموظفين، ولابد أيضا من تبسيط الإجراءات الإدارية، والهبوط إداريا بصلاحيات القرارات النهائية، إذ إنه ليس من المعقول تركيز كل الصلاحيات فى يد الوزير المختص، وتعظيم فكرة تكنولوجيا الإدارة، لترسيخ مبدأ الموظف للوظيفة، وليس الوظيفة للموظف، وتحقيق اللامركزية للحد من الروتين الإدارى على جميع المستويات.

وإذا كانت هناك إرادة للإصلاح الإداري، فينبغى كما يقول الدكتور صلاح الدين فوزى - الاستفادة من مختلف المجهودات التى يتم بذلها على الدوام، مادامت هذه المجهودات تحقق المصلحة العامة، ولا تتعارض مع صحيح القانون ، فليس من المعقول أن تتغير السياسات والخطط مع كل تغيير إداري، بمجيء وزير أو برحيله، ونبدأ كل مرة من الصفر، بل علينا البناء على كل ما هو مفيد وناجح، وهنا أذكر قانون التعليم العالى وليس قانون تنظيم الجامعات، وكان المقترح تنظيم هذا القطاع استراتيجيا، بمعنى أن يكون هناك مجلس أعلى للتعليم العالى فى مصر، بما يشمله هذا القطاع من جامعات حكومية وخاصة وأهلية ومعاهد عليا، وهناك جهود بذلت فى هذا المجال عبر لجان متخصصة، ويجب الاستفادة منها بدلا من البدء من مرحلة الصفر، فليس من المعقول أن تتغير سياسات المجالس العليا بمجرد تغيير رؤسائها، مؤكدا ان الإغراق فى القواعد والضوابط يعنى مزيدا من التقعيد ( بمعنى رد الأمور لقواعد قانونية) ، يرتب زيادة فى التعقيدات الإدارية،

ومن ثم لابد من ترك مجال للسلطة التقديرية للإدارة، وأن يكون هناك قدر من المرونة، لأنه من النادر أن تجد حالات متشابهة عن الممارسة، كما ينبغى تفعيل مجالس الإدارات بالهيئات والمؤسسات، والمجالس التنفيذية بالمحافظات، بحيث لا يكون الفعال الرئيس فيها هو رئيس مجلس الإدارة منفردا بقراراته عن بقية أعضاء المجلس، مما يستلزم حسن اختيار أعضاء مجالس الإدارات، واستقلالهم، لتهيئة المناخ أمامهم للإصدار قرارات صحيحة ، تحقق المصلحة العامة، بعيدا عن المصالح الشخصية. وستتقدم الحكومة ببرنامج عملها إلى مجلس النواب، ولابد من البناء على الأعمال الجيدة، التى سبق أن أقرتها الحكومة السابقة، ما دامت فى مصلحة الوطن والمواطن، إذ لا يصح أن نبدأ كل مرة من الصفر، لأننا بذلك سندور فى حلقة مفرغة لا يحتملها الوطن، بل يحتاج لكل جهد مخلص، للانطلاق نحو النهضة والتنمية الحقيقية.

حلول مطروحة الحل وفقا لرؤية وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى يكمن فى الإسراع فى إصدار الإطار التشريعى الملائم لعملية التغيير والشفافية، وبناء وتنمية القدرات البشرية، وإصلاح نظم تقديم الخدمات العامة، والتوسع فى استخدام تكنولوجيا المعلومات، ومكافحة الفساد فى الجهاز الحكومي، وإصلاح منظومة المتابعة والتقييم، والتوسع فى تطبيق اللامركزية، وتطوير المبادئ الحاكمة للجهاز الإدارى للدولة، وتبسيط الإجراءات الحكومية، وتفعيل مشروعات التطوير الإدرى للوزارات( التعليم العالي، والصحة، والزراعة، والري) ، وتحويل إدارات شئون العاملين والأفراد إلى إدارات للموارد البشرية، وبناء نظام الإدارة بالنتائج، وتعزيز الشفافية ، من خلال تطبيق سياسات مكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الناجزة،

وكذلك تفعيل الخطوات الخاصة باستخدام اللامركزية كوسيلة لتطويرالخدمات العامة، وزيادة كفاءة المؤسسات الحكومية، واقتراح منظومة جديدةلإدارة الأصول الحكومية ، وحزمة للإصلاح المالي، والتوسع فى عمليات تقديم الخدمات العامة إلكترونياً، وتفعيل منظومة إشراك المواطن فى الشأن العام لضمان استدامة الإصلاحات المؤسسية والبشرية من خلال إعداد استراتيجيات فى كاف القطاعات، وتطويرالقدرات التنافسية لوحدات الإدارة العامة على المستويين المركزى والمحلي، والاستمرار فى قياس الأداء المؤسسى لوحدات الإدارة العامة على المستويين المركزى والمحلى ، وتنظيم مسابقات التميز، والانتقال من الإصلاح إلى التحديث لضمان تحقيق أهداف الدولة المصرية.



من اين تفضل الحصول على خدمات الجهاز ؟